فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونَظَرُ الله إِلى عباده هو إِحسانُه إِليهم، وإِفاضةُ نِعَمِه عليهم.
قال تعالى: {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
وفى الصّحيحين: «ثلاثةٌ لا يكلِّمُهُم الله ولا يَنْظُر إِليهم: شَيْخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كذَّاب، وعَائلٌ مُسْتَكبِرٌ».
والنَّظَرُ أَيضًا: الانْتظارُ قال تعالى: {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}، {وَانْتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ}، {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} وقوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} فَنَفَى الإِنظارَ عنهم إِشارةً إلى مانَبَّه عليه بقوله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
وقوله: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي غير منتظرين.
وقوله: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} قال الزجّاج: فيه اختصار تقديره أَرِنى نَفْسَك أَنْظُرْ إِليك.
قال ابن عبّاس: أَعْطِنى النَّظر أَنْظُرْ إِليك.
فإِنْ قيل كيف سأَل الرؤيةَ وقد عَلِم أَنَّ الله لا يُرَى في الدّنيا؟ قال الحسن: هاج به الشوقُ فسأَل.
وقيل: سأَل ظنًّا منه أَنه يُرَى في الدنيا فقال الله: {لن تَرانى}، أي في الدّنيا أَو في الحال، فإِنَّه كان يسأَل الرّؤية في الحال.
ولن ليست للتأْبيد كقوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}، ثم أَخبر عنهم أَنهم يتمنَّونْ الموت في الآخِرة، كما قال: {وَنَادَوْاْ يا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، {يا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} ثمّ تعليق الرّؤية بممُكن وهو استقرارُ الجبل يمنع استحالَة الرّؤية.
ويُستعمل النظر أَيضًا في التَّحَيُّر في الأَمر نحو قوله تعالى: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}، {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}، {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ}، {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} كلّ ذلك نظرٌ عن تَحيُّرٍ دالٍّ على قِلَّة الغَناءِ.
وقوله: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}، قيل: تُشاهِدُون، وقيل: تَعْتَبِرون، قال:
نَظَرَ الدّهرُ إِليهم فابتهل

قال أَبو القاسم: ثانى مفعولى أَرنى محذوف، أي أَرنى نَفْسَك أَنْظُر إِليك: فإِنْ قلت: الرؤية عن النظر، فكيف قيل أَرنى أَنظر إِليك؟ قلت: معنى أَرِنِى نَفْسَك: اجعلنى متمِكِّنا من رُؤيتك بأَن تَتَدَلَّى لى فأَنظر إِليك وأَراك، ولمَّا علم أَنّ المطلوب الرّؤية لا النظر أُجِيب بِلَنْ ترانى دون لن تَنْظر.
والنَّظِيرُ: المِثْلُ، والجمع: نُظَراءُ، وأَصلُه المُناظِر كأَنّ كلّ واحدِ منهما ينظرُ إِلى صاحبه فيُبارِيه.
والمُناظَرَة: المُباحَثَةُ والمُباراةُ في النَّظر، واستحْضار كل ما يَراه ببَصِيرته.
والنَّظَر: البَحْثُ وهو أَعمّ من القِياس، لأَنَّ كلّ قياس نَظَرٌ، وليس كُلُّ نَظَر قياسًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)}
الأدلة- وإنْ كانت ظاهرة- فما تغْنِي إذا كانت البصائر مسدودةً، كما أن الشموسَ- وإن كانت طالعة- فما تُغْنِي إذا كانت الأبصار عن الإدراك بالعمى مردودة، كما قيل:
وما انتفاعُ أخي الدنيا بمقلته ** إذا استوَتْ عنده الأنوارُ والظُلَمُ؟

.اهـ.

.تفسير الآيات (102- 103):

قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{فهل ينتظرون} أي بجميع قواهم في تكذيبهم للرسول وتخلفهم عن الإيمان: {إلا} أي أيامًا أي وقائع: {مثل أيام} أي وقائع: {الذين خلوا} ولما كان أهل الأيام الهائلة بعض من كان قبل، أتى بالجار فقال: {من قبلهم} أي من مكذبي الأمم وهم القبط وقوم نوح ومن طوي بينهما من الأمم، أي من حقوق الكلمة عليهم فنحل بهم بأسنا ثم ننجيكم لإيمانكم كما كنا نحل بأولئك إذا كذبوا رسلنا، ثم ننجي الرسل ومن آمن بهم حقًا علينا ذلك للعدل بين العباد.
ولما تقدمت الإشارة إلى أن الكلمة حقت على الكافرين بعدم الإيمان والرجس الذي هو العقاب، زاد في تهديدهم بالاعتراض بما سببه عن فعلهم فعل من ينتظر العذاب بقوله: {قل فانتظروا} أي بجميع جهدكم ما ترونه واقعًا بكم بسبب ما تقرر عندكم مما كان يقع بالماضين في أيام الله، وزاد التحذير استئنافه قوله مؤكدًا لما لهم من التكذيب: {إني} وأعلمهم بالنصفة بقوله: {معكم من المنتظرين}.
ولما كان التقدير: فإنا كنا في أيام الذين خلوا نوقع الرجس بالمكذبين، عطف عليه بيانًا لم كان يفعل بالرسل وأتباعهم إذا أهلك الظالمين قوله: {ثم ننجي} أي تنجية عظيمة وننجيهم إنجاء عظيمًا وجاء به مضارعًا حكاية للأحوال الماضية وتصويرًا لها تحذيرًا لهم من مثلها وإعلامًا بأنه كذلك يفعل بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه- رضي الله عنهم- م، وأشار بأداة التراخي إلى طول زمان الابتلاء وعظيم رتبة التنجية، وحذف مقابل الإنجاء لأن المقام بعد آية: {ألا إن أولياء الله} ناظر إلى البشارة أكثر من النظر إلى النذارة: {رسلنا} أي الذين عظمتهم من عظمتنا: {والذين آمنوا} أي بالرسل وهم معهم في زمانهم ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان تشريفًا للرسل فإنهم بصدد الرسوخ بملازمتهم؛ ثم وصل بذلك تشريفًا للراسخين وترغيبًا في مثل حالهم قوله: {كذلك} أي كما حق علينا إهلاك الكافرين هذا الإهلاك العظيم: {حقًا علينا} أي بما أوجبناه على جنابنا الأعظم: {ننج المؤمنين} أي العريقين في الإيمان ولو كانوا بعد موت الرسل تنجية عظيمة وتنجيهم إنجاء عظيمًا، فالآية من الاحتباك لما أشارت إليه القراءتان بالتخفيف والتثقيل، أو يكون ذلك بني على سؤال من لعله يقول: هل حقوق النجاة مختص بالرسل ومن معهم؟ فقيل: لا، بل: {كذلك} أي الحقوق: {حقًا علينا} على ما لنا من العظمة: {ننج المؤمنين} في كل زمن وإن لم يكن بين ظهرانيهم رسول، لأن العلة الاتصاف بالإيمان الثابت، فيكون الكاف مبتدأ {وننج} خبره؛ والنظر: طلب المعنى بالقلب من جهة الذكر كما يطلب إدراك المحسوس بالعين؛ والغنى: حصول ما ينافي الضر وصفة النقص، ونقيضه الحاجة؛ والنذر: جمع نذير، من النذارة وهي الإعلام بموضع المخافة ليقع به السلامة؛ والانتظار: الثبات لتوقع ما يكون من الحال؛ والمثل إن كان من الجنس فهو ما سد مسد غيره من الحس، وإن كان من غيره فالمراد ما كان فيه معنى يقرب به من غيره كقربه من جنسه كتشبيه أعمال الكافر بالسراب؛ والنجاة من النجوة وهي الارتفاع من الهلاك. اهـ.

.قال الفخر:

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ}
واعلم أن المعنى هل ينتظرون إلا أيامًا مثل أيام الأمم الماضية، والمراد أن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام كانوا يتوعدون كفار زمانهم بمجيء أيام مشتملة على أنواع العذاب، وهم كانوا يكذبون بها ويستعجلونها على سبيل السخرية، وكذلك الكفار الذين كانوا في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام هكذا كانوا يفعلون.
ثم إنه تعالى أمره بأن يقول لهم: {فانتظروا إِنّى مَعَكُم مّنَ المنتظرين} ثم إنه تعالى قال: {ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا والذين ءامَنُواْ}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ الكسائي في رواية نصير: {نُنَجّى} خفيفة، وقرأ الباقون: مشددة وهما لغتان وكذلك في قوله: {نُنجِى المؤمنين}.
المسألة الثانية:
{ثم} حرف عطف، وتقدير الكلام كانت عادتنا فيما مضى أن نهلكهم سريعًا ثم ننجي رسلنا.
المسألة الثالثة:
لما أمر الرسول في الآية الأولى أن يوافق الكفار في انتظار العذاب ذكر التفصيل فقال: العذاب لا ينزل إلا على الكفار وأما الرسول وأتباعه فهم أهل النجاة.
ثم قال: {كَذَلِكَ حَقّا عَلَيْنَا نُنجِى المؤمنين}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال صاحب الكشاف: أي مثل ذلك الإنجاء ننصر المؤمنين ونهلك المشركين وحقًا علينا اعتراض، يعني حق ذلك علينا حقًا.
المسألة الثانية:
قال القاضي قوله: {حَقًّا عَلَيْنَا} المراد به الوجوب، لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب إلى الثواب واجب ولولاه لما حسن من الله تعالى أن يلزمهم الأفعال الشاقة وإذا ثبت وجوبه لهذا السبب جرى مجرى قضاء الدين للسبب المتقدم.
والجواب: أنا نقول إنه حق بسبب الوعد والحكم، ولا نقول إنه حق بسبب الاستحقاق، لما ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ}
هذا وعيد وحض على الإيمان، أي إذا لجوا في الكفر حل بهم العذاب، وإذا آمنوا نجوا، هذه سنة الله في الأمم الخالية، فهل عند هؤلاء غير ذلك. وهو استفهام بمعنى التوقيف، وفي قوله: {قل فانتظروا} مهادنة ما، وهي من جملة ما نسخه القتال، وقوله: {ننجي رسلنا} الآية، لما كان العذاب لم تحصر مدته وكان النبي والمؤمنون بين أظهر الكفرة وقع التصريح بأن عادة الله سلفت بإنجاء رسله ومتبعيهم، فالتخويف على هذا أشد، وكلهم قرأ: {ننجّي} مشددة الجيم إلا الكسائي وحفصًا عن عاصم فإنهما قرأ: {ننْجِي} بسكون النون وتخفيف الجيم، وقرأ عاصم في سورة الأنبياء في بعض ما روي عنه {نُجي} بضم النون وحذف الثانية وشد الجيم، كأن النون أدغمت فيها، وهي قراءة لا وجه لها، ذكر ذلك الزجاج. وحكى أبو حاتم نحوها عن الأعمش، وخط المصحف في هذه اللفظة {ننج} بجيم مطلقة دون ياء وكذلك قرأ الكسائي في سورة مريم: {ثم ننْجِي الذين اتقوا} [مريم: 72] بسكون النون وتخفيف الجيم، والباقون بفتح النون وشد الجيم، والكاف في قوله: {كذلك} يصح أن تكون في موضع رفع، ويصح أن تكون في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ}
الأيام هنا بمعنى الوقائع؛ يقال: فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعهم.
قال قتادة: يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم.
والعرب تسمي العذاب أيامًا والنِّعم أيامًا؛ كقوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: 5].
وكل ما مضى لك من خير أو شر فهو أيام.
{فانتظروا} أي تربصوا؛ وهذا تهديد ووعيد.
{إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} أي المتربصين لموعد ربي.
قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ} أي من سنتنا إذا أنزلنا بقوم عذابًا أخرجنا من بينهم الرسل والمؤمنين، و{ثُمَّ} معناه ثم اعلموا أنا ننجي رسلنا.
{كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا} أي واجبًا علينا؛ لأنه أخبر ولا خُلف في خبره.
وقرأ يعقوب {ثم نُنْجي} مخففًا.
وقرأ الكسائي وحفص ويعقوب {ننجي المؤمنين} مخففًا؛ وشدّد الباقون؛ وهما لغتان فصيحتان: أنجى يُنجِي إنجاء، ونَجَّى يُنَجِّي تنجية بمعنًى واحد. اهـ.

.قال الخازن:

{فهل ينتظرون} يعني مشركي مكة: {إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} يعني من مضى من قبلهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل قال قتادة يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود.
والعرب تسمي العذاب أيامًا والنعم أيامًا كقوله تعالى: {وذكرهم بأيام الله} والمعنى فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا يومًا يعاينون فيه العذاب مثل ما فعلنا بالأمم السالفة المكذبة أهلكناهم جميعًا فإن كانوا ينتظرون ذلك العذاب ف: {قل فانتظروا} يعني: قل لهم يا محمد فانتظروا العذاب: {إني معكم من المنتظرين} يعني: هلاككم، قال الربيع بن أنس: خوفهم عذابه ونقمته ثم أخبرهم أنه إذا وقع ذلك بهم أنجى الله رسله والذين آمنوا معهم من ذلك العذاب وهو قوله تعالى: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا} يعني من العذاب والهلاك: {كذلك حقًا علينا ننجي المؤمنين} يعني كما أنجينا رسلنا، والذين آمنوا معهم من الهلاك كذلك ننجيك يا محمد والذين آمنوا معك وصدقوك من الهلاك والعذاب.
قال بعض المتكلمين: المراد بقوله حقًا علينا الوجوب لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم لا أنه واجب بسبب الاستحقاق لأنه قد ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَهَلْ يَنتَظِرُونَ} أي مشركوا مكة وأضرابهم: {إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ} أي إلا يومًا مثل أيام الذين خلوا: {مِن قَبْلِهِمُ} من مشركي الأممِ الماضية أي مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها: {قُلْ} تهديدًا لهم: {فانتظروا} ما هو عاقبتكم: {إِنّى مَعَكُم مّنَ المنتظرين} لذلك: {ثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا} بالتشديد وقرئ بالتخفيف وهو عطفٌ على مقدر يدل عليه قوله: {مثل أيام الذين خلَوا} وما بينهما اعتراضٌ جيء به مسارعةً إلى التهديد ومبالغة في تشديد الوعيد كأنه قيل: أهلكنا الأمم نجينا رسلنا المرسلة إليهم.
{والذين ءامَنُواْ} وصيغةُ الاستقبالِ لحكاية الأحوالِ الماضية لتهويل أمرها باستحضار صورِها وتأخيرُ حكايةِ التنجيةِ عن حكاية الإهلاكِ على عكس ما في قوله تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ في الفلك} إلخ، ونظائِره الواردةِ في مواقعَ عديدة ليتصل به قولُه عز وجل: {كذلك} أي مثل ذلك الإنجاء: {حَقًّا عَلَيْنَا} اعتراض بين العامل والمعمول أي حق ذلك حقًا وقيل: بدل من المحذوف الذي ناب عنه كذلك أي إنجاء مثل ذلك حقًا والكاف متعلقة بقوله تعالى: {نُنَجِّى المؤمنين} أي من كل شدة وعذاب والجملة تذييل لما قبلها مقرر لمضمونه والمرادُ بالمؤمنين إما الجنسُ المتناول للرسل عليهم السلام وإما الأتباعُ فقط وإنما لم يذكر إنجاء الرسل إيذانًا بعدم الحاجة إليه وأيًا ما كان ففيه تنبيهٌ على أن مدارَ النجاة هو الإيمان. اهـ.